طالبي مرسلوت

إن أكثر ما يدور في ذهني الآن من تساؤل وبعد استئناف قراءتي لكتاب اللامنتمي -وقد كانت القراءة التي انتهيت منها متفحصةً ومجهدة- هو هل يوجد لدي طالبٌ لامنتمٍ. إنني في الحقيقة لا أدري، ولم أفكر من قبل قراءتي هذا الكتاب فيما إن كنت قد درّست طالبًا لا منتمٍ، لكنني وبينما أنا أكتب هذه التدوينة أتذكر الآن أحد الطلاب الذين درست السنة الماضية، كان ذاك الطالب يثير فضولي، فوجهه حقًا كما يُقال “پوكر فايس” أي كوجه لاعب البوكر الذي يخفي كل شعور يمكن أن يطرأ على سحنته كي لا يعرف خصومه ما يمكن أن يحمل من ورق، لم أكن أستطيع حقًا معرفة ما إن كان يريد أن يبتسم أو يضحك أو يغضب أو يتأفف، لم أكن أستطيع أن أفسر ما يكتم صدره من مشاعر أو انفعالات، عند اقتراب نهاية الفصل الدراسي الأول بدأ الطالب يتقاطع معي طلبًا للدرجات، لاحظت لدى أول وهلة أنه يتجنب الاتصال البصري، وكلما بحثت عن عينيه والتقطتهما بعد لأي أجده بمجرد ما يدرك أنني أتصل معه بصريّاً يهرب بهما مرة أخرى، فأجدني كأنما أتحدث إلى شخص أعمى يفتح عينيه محدّقًا في الفراغ.
تزامَنَت بالصدفة مع تلك الفترة قراءتي لكتاب مختلف لهناء حجازي، كانت تتحدث فيه حجازي عن طفلها المصاب بالتوحد، وكيف أن الطبيبة التي شخصت الطفل بهذا المرض استدلت إلى ما يشكو منه من تعب مباشرة من خلال ملاحظتها أنه يهرب من التواصل البصري، عندها تذكرت طالبي فخمنت أن يكون مصابًا بمثل ما أصيب به طفل حجازي، أخبرت المرشد إذ لطالما كان يطلبني أخبار الطالب دراسيّاً مُهيبًا به أن يكون عونًا فنستدرك ما يمكن أن يكون الولد مُصابًا به، لكنه وبكل الثقة التي يمتكلها المُفتون عادةً قال لي: إطلاقًا، إن الطالب ليس مُصابًا بالتوحد أو حتى بأي طيفٍ من أطيافه! ناشدته أن يحرص على إطلاع والد الطالب بما يمكن أن يكون الولد به مُصابًا، إنما أشك أنه قد فعل.
ما أريد الإشارة إليه، هو أن طالبي ذاك قد لا يكون حقّاً مُصابًا بالتوحد إنما قد يكون لامنتمٍ، وما أفهمه من شخصية اللامنتمي هو أنه شخص غير مكترث على الأقل وفقًا لشخصية مرسلوت التي رسمها ألبير كامو في رواية الغريب وهذا بالطبع يناقض ما كان قد أتاني الطالب يحدثني من أجله عندما تقاطع معي يطلب العون مني في الدرجات، ولكنني موقنٌ أنه ما أتى إلا بعد إلحاح والده عليه.
إن هذا غيضٌ من فيض كما درجت هذه العبارة على ألسن الناس، إنما أحب أن أقول لكل معلم يحفل بأمر الأجيال القادمة ويفهم أهميّته كمعلم وحساسية مهنته أنِ استمع لطلابك، فبمجرد الاستماع لهم تعرف عنهم الكثير وتقدم لهم معروفًا إذ إنني أعتقد وبكل أسف أن أهليهم لا يتحدثون معهم وإليهم كفايةً وهم كذلك يصنعون، وإن فعلوا لما كان الحوار مفتوح الأقاليم على كل المواضيع كما أعتقد خاصة تلك التي تطّوّف في رؤوسهم كناشئة.

أضف تعليق